وظيفة الراوي في السرد القصصي
وظيفة الراوي في السرد القصصي
No Thumbnail Available
Date
2015-05-18
Authors
فيصل مالك أبكر
Journal Title
Journal ISSN
Volume Title
Publisher
University of Khartoum
Abstract
إن الأدب نشاط إنساني ذو قدرة كبيرة على سبر غور الحقائق الإنسانية ، وهو
في سعيه الدؤوب لبلوغ هذه الغاية ؛ قد أصبح جزءًا منها ، أو قل هو الحقيقة
الإنسانية في شقها المعنوي ، إذ لا ينزع يعبر عنها ويستكنه جوهرها ؛ موظفًا
آلياته التي لا تنفك تنعزل عن الصيغ والقوانين المكونة للوجود والواقع ، بل إن
الصور الفنية التي تشكلها الظاهرة الأدبية ؛ لهي ذات الصور التي تتوافر عليها
الحياة ، كذلك القيم الدلالية المترشحة عنها ، غير أن شروط إنتاجها تختلف تبعًا
لاختلاف المظاهر المحيطة بالنشاط الأدبي لحظة التشكل ، فالظروف النفسية لدى
المبدع ، تتأثر بالبيئة الاجتماعية والسياسية والفكرية ، وينتج عنها ما يمكن
الاصطلاح عليه بالجو العام للنص الإبداعي ، أو السياق الذي يمنح النص
خصوصيته الأدبية ومميزاته الفنية ، ويظهر إلى الوجود ككائن مستقل له لغته
وفضاءه الزماني والمكاني ؛ وعوالمه الفكرية ، رغم المرجعيات الكثيرة التي
ترفد أصوله ، والمصادر التي يستقي منها مادته .
تستمد الظاهرة الأدبية حياتها من البيئة الإنسانية ، فهي تعتمد على الإنسان في
مختلف مستوياتها ، ففي مرحلة التشكيل يتحمل المؤلف عبء ومشقة الخلق
الإبداعي ، إذ يصوغ البنى الفنية ليحقق شروط الظاهرة ، وقوانينها ، ثم يأتي دور
المتلقي الذي ينبغي أن يتسلح بالأدوات المعرفية ؛ التي تمكنه من إنتاج النص
الأدبي ، هذه العمليات من التعقيد والتداخل بمكان ، نظرًا لتشعب المعطيات
المكونة للظاهرة ، لا سيما النفس الإنسانية وأغوارها السحيقة التي لا حد لها ؛
ورحابة اللغة وقدرتها التعبيرية المطلقة ، إلى جانب الغموض الذي يكتنف الحياة ؛
ويحيل الكثير من ظواهرها إلى أسرار تستعصي على الإدراك والعقل ، فيلجأ هذا
الأخير إلى عالم اللاوعي للبحث عن إجابات يروي ظمأه للمعرفة ، وتشبع رغبة
حب الاستطلاع الجامحة لديه .
إن الرواية – كجنس أدبي – استطاعت أن تعبر عن الحقائق الإنسانية ،
وتجيب عن الكثير من الأسئلة الفكرية والفلسفية المتعلقة بوجود الإنسان ، ولعل
طابعها الموضوعي في عرض الصور والمشاهد – مع الحفاظ على صبغتها الفنية
– قد أعطاها القدرة على مناقشة القضايا الحيوية والمعقدة ، وتحليلها وتشكيل
رؤية موضوعية عنها ، حتى تبدو شيئًا منطقيًا له أسبابه ونتائجه ، هذه المميزات
جعلت الرواية من أخطر الفنون الأدبية أثرًا في العصر الحديث ، ودفعتها للنظر
والبت في أعقد الأطروحات الفكرية والنفسية والفلسفية ، لا سيما موضوع "
الصراع الحضاري " الذي وقف عليه البحث ، من خلال قراءة البنية الفكرية في
الروايات موضوع الدراسة وهي : عصفور من الشرق لتوفيق الحكيم ؛ قنديل أم
هاشم ليحيى حقي ؛ الحي اللاتيني لسهيل إدريس ؛ وأخيرًا موسم الهجرة إلي
الشمال للطيب صالح ، وقد عمل الباحث – للوصول إلى نتائج دقيقة وعميقة –
إلى قراءة المضمون الفني ؛ من تقنية وإستراتيجية دلالية وسردية ، هذا فض ً لا عن
حيل المؤلفين في الإيهام بواقعية الفن ، وقد مهد الباحث لهذه الدراسة ؛ بفصول
نظرية ثبت فيها المفاهيم الأساسية المتعلقة بالفن القصصي بعامة ،وفن الرواية
بصفة خاصة ، وقد لاحظ أن فنون القص تشترك في الخصائص الجوهرية ،وأن
الاختلافات بينها تكمن في الشكل فقط .
يعد عنصر الراوي من أهم العناصر الفنية في القصة والرواية ؛ وأكثرها
خصوصية وتشعبًا في الظاهرة الأدبية ؛ لأنها ترتبط بكل فعاليات الخطاب الداخلية
والخارجية ، وقد وقف البحث على الدلالة المعجمية لكلمة الراوي وحلل جذرها
اللغوي ، والمراحل التي مرت بها خلال تاريخها الطويل ؛ والمؤثرات الثقافية
والاجتماعية والمعرفية التي صاغت وشكلت مفهومه ، وقد ارتبطت كل هذه
التفاصيل بالأنماط السردية التي ظهرت في الثقافة العربية ، أو في الأشكال
السردية التي تأصلت فيها ؛ بفعل النقل أو الترجمة أو التأثير والتأثر ، ولكنها
توطنت وكيفت مرجعياتها مع طبيعة البنى الاجتماعية والفكرية والمعرفية.
لعل من أبرز الملاحظات التي وقف عليها الباحث في هذه الدراسة ، هو
ضرورة الفصل بين المادة الخام للقصة أو الحكاية ، والخطاب السردي ، حيث
يتوافر الأخير على البنية الفنية ، وتشمل : الأسلوب التعبيري ؛ والتقنية السردية ؛
وكل ما من شأنه أن يكشف عن قدرات الكاتب الأبداعية ، بينما تنطوي القصة أو
المتن على صورة الأحداث الخام، وهي الإطار الفني أو القالب الذي يعبر عن
القيم الدلالية ، والمضمون الفكري ؛ أو الفلسفي؛ أو الاجتماعي؛ أو النفسي الذي
يمكن أن يقدمه النص الإبداعي ، وبين هذا وذاك يقف المؤلف والمتلقي ؛ كقطبين
رئيسين في العملية الإبداعية ، يتوسطهما الراوي وبقية العناصر الفنية ، التي
تشكل عصب الظاهرة الإبداعية إذا صح التعبير.
عالج البحث في الفصل الثاني من الباب الأول موضوع الرواي الفني ، وقد
سعى الباحث سعيًا حثيثًا لإيضاح الحد الفاصل ما بين المؤلف الحقيقي كإنسان من
لحم ودم ؛ والمؤلف المجرد – صورته الموضوعية – الذي يعمل على تكوين
النص الأدبي ، ويمنحه استقلاليته الفنية ، وينسحب من النص بعد اكتماله ليتحرر
ويستقل بذاته وعالمه الموضوعي ، وتدرج الصورتين المقدمتين عن المؤلف ؛
كمستويين إجرائيين من مستويات الراوي ، أما المستوى الفني فيظهر في الصيغة
أو الصوت الذي يتولى السرد والإخبار ، وينهض بدور الوساطة والربط بين
فعاليات النص الداخلية والخارجية ، وينبري كأداة تشكل لديه ما يسمى " بالرؤية "
، أو وجهة النظر وهي تحيل إلى تقاطعات الصوت السردي ، وما يعبر عنه من
أفكار ، وما يوحي به من دلالات ورموز ، وما يشير إليه من قيم رمزية
وصريحة ، إذ يتم كل هذا في ضوء خطة تسهم في تشكيلها وعرضها ؛ مجموعة
من العناصر الفنية واللغوية والموضوعية ، التي لا مجال لعزلها عن بعضها
البعض إلا بشكل إجرائي يفرضه البحث والدراسة ، وهذا هو المحك .
Description
398 Pages
Keywords
الوظيفة البنائية; الوظيفة الفكرية; الأدب; الراوي; السرد القصصي